نحن في حياتنا اليومية نُدفع إلى أعمال كثيرة قد يكون كثير منها مقلق ومرهق ومتعب، وهذا لا شك يؤثر سلباً على رؤيتنا للحياة، مما قد تؤدي هذه الأعمال والنشاطات الحياتية إلى حجب الرؤية في معرفة الضروريات والأولويات واكتشاف الأهم والأولى في حياتنا.
البساطة لا تعني أن أتنازل عن مبادئ أو قيمي أو أعيش دون هدف ورسالة. ولا تعني بحال أن أدع الآخرين يتحكمون في مشاعري. أو أن أكون إمعة أنقاد خلف الآخرين دون إدراك ووعي. ولا تعني بحال أن لا أكون ذا شخصية متميزة لها صفاتها الخاصة بها. ولا تعني أن أفقد شخصيتي وهويتي فلا أملك رأياً أو قرارً. كل هذه المفاهيم عن البساطة مفاهيم خاطئة وهي أقرب وصفاً للشخصية الساذجة السطحية غير الواعية دون الشخصية البسيطة.
وليس هناك تلازم بين البساطة والسطحية سواء كان في التفكير أو السلوك، فالبساطة تبتعد عن التعقيد ويكون هناك مرونة وقابلية للتأقلم والتكيف مع الأوضاع التي تمر بك. البساطة أن ترى أمامك أبواباً متعددة تستطيع أن تلج منها دون معاناة. والتعقيد أنك لا ترى إلا باباً واحداً وخياراً محدداً.
البساطة هي موقف عقلي ينعكس في تعامل المرء مع ما حوله من أشياء. فيعيش المرء حياته بعيداً عن القلق والخوف والوهم. يعيشها بإدراك أنه خُلق لغاية ويحاول أن يحقق هذه الغاية عملياً في حياته. الحياة البسيطة أن تطرد عنك الشعور بالوحدة، وأنك جزء من هذه الحياة لك كينونتك وشخصيتك ومشاعرك وأحلامك وطموحاتك. الحياة البسيطة أن تعطي كل جزء من ذاتك حقه من الحياة، فأنت كتلة من روح وعقل وجسد، فالروح تملئاها بحب الله تعالى والإيمان به، وتجعلها متعلقة بالملأ الأعلى لتسمو بها عن درن التراب ومتعلقاته؛ فالروح لن تجد غذائها وسعادتها وكمالها إلا من الوحي المطهر. وحث العقل على التأمل والتفكر والتدبر في آيات الله ومخلوقاته، وفي إدراك المعارف والعلوم، وفي الاستنباط والاستنتاج تكون حياة العقل. وعندما يُعطى الجسد رغباته وتحقق شهواته دون إفراط أو خروج عن الإطار الشرعي يعيش المرء في توازن واستقرار دون معاناة وألم. وبهذا العطاء والتجانس تكون الحياة ممتعة متزنة هادئة وهو المعنى الحقيقي للبساطة.
وهنا إشارات سريعة لمحاولة تحقيق حياة سهلة بسيطة:
أولاً: اتجه لله تعالى، لا تجعل الدنيا هي أكبر مراداتك وغاياتك، فبقاءك في هذه الحياة بقاء محدود وليس أبدي مطلق، لذلك لابد أن تكون نظرتك أبعد من هذه الحياة، ولتكن أعمالك تحقق لك فوزاً في الدار الآخرة. إن التعلق بالله تعالى يزيل الهم ويطرد الخوف والقلق ويجعلك تعيش حياة طيبة كما قال الله تعالى :" مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " فالحياة الطيبة لن تجدها إلا بإيمانك وعملك الصالح.
ثانياً: حدد الأهم، قبل المُضي قُدماً، قف قليلاً، وتأمل، ما الأهم لديك؟ ما الشيء الذي تريد تحقيقه في حياتك؟ وكم من الوقت يستغرق الأمر لتحقيقه؟ قد يتطلب الأمر أحياناً عمل قائمة صغيرة لتدوين الأشياء المهمة. لا مانع من ذلك. سجل ما تراه، بل وسجل معها الأشخاص الذين تحتاج أن تتعامل معهم. المهم في الأمر، أن تعرف المهمات والأولويات لديك وأن لا تعش هكذا دون وعي لمراداتك.
الجزء الأهم في هذا الأمر والذي يُشكل مشكلة أحياناً، وهو إننا لا نستطيع أن ننجز كل شيء قررناه، بل حتى الأشياء التي نعملها قد تفقد رونقها ومتعتها، فيصيبنا الملل والسآمة ونفقد البساطة وندخل في دائرة التعقيد. وهنا لابد أن ندرك: إننا لا يمكن بحال أن ننجز كل شيء نريده في حياتنا. فعوامل كثيرة تمنعنا من تحقيق ذلك، ولكن علينا أن نرضى بما نحققه حتى ولو كان جزءاً يسيراً. المهم في الأمر أن نستمر في الإنجاز وأن لا تسلبنا الحياة ومتطلباتها رؤيتنا وتنسينا أهدافنا.
ثالثاً: استمتع بما وهبك الله من قدرات وطاقات، فأنت لا ريب لديك أشياء كثيرة تعملها في حياتك اليومية، حاول بما تستطيع أن تأخذ هذه الأشياء التي تمارسها بنوع من المتعة والبساطة. عش لحظاتك اليومية بقدر ما تستطيع في هناءة. قد يكون في هذا نوع من الصعوبة ولكن بمزيد من التأمل لتبسيط الأشياء وعدم تعقيدها ستصل بإذن الله تعالى إلى درجة رائعة من الاستمتاع والهناءة. استمتع في عمل الأشياء وأنت تعملها، وأعملها بحب وحاول أن تقبل إليها دون إكراه ، صحيح إن هناك أشياء في حياتنا نعملها ونحن كارهون ومضطرون لذلك؛ ولكن بما إننا مضطرين لعملها فلماذا لا نستبدل الكره والإجبار بنوع من الرغبة والاستمتاع كي تكون حياتنا أكثر سعادة ومتعة. إن الصعوبات التي نواجهها قد نرجع بعضها إلى أنفسنا إلى طريقة تعاملنا معها، فأحياناً نأخذ القضايا بتكلف وصعوبة وهذا يجعلنا نعيش في ضيق ونكد.
رابعاً: لا تحمل نفسك ما لا طاقة لها به، ابتعد عن إرهاق نفسك أكثر من اللازم، لا تتخذ على عاتقك أعمالاً كثيرة تستغرق كل وقتك وفكرك فأنت بذلك ستعيش حياة صعبة ومعقدة. كن رفيقاً بذاتك، لابد أن يكون لديك متسعاً من الوقت لتستجم وترتاح فهذا يزيدك نشاطاً وقدرة على الفهم والتعامل مع الأمور ببساطة وعفوية. ومن البساطة أن يكون تعاملك مع الوقت فيه نوع من المرونة والإدراك للأولويات، فالالتزام الحرفي لبرنامجك اليومي دون مراعاة للمتغيرات المحيطة بك يحدث لديك عدم تمييز للأولويات وهنا تدخل في اضطراب وقلق.
خامساً: لا تستعجل الأحداث، نحن نعيش في زمن سريع التغيير والتطوير. وهذه التغيرات السريعة. ومحاولة الإلحاق بها تحدث لدى الشخص القلق والاضطراب. لذلك من المهم جداً أن تقف وتتأمل بجد في معنى الحياة وطبيعتها وكيفية التعامل معها. تأمل كثيراً حتى تعرف حقيقة الحياة ثم سر فيها سير الواثق بالله تعالى أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
سادساً: اكتشف الأشياء التي تعقد حياتك، أسأل نفسك: هل مشاكلي مالية أم أسرية أم اجتماعية ؟ ابحث عن مصدر مشاكلك ودوّن السبب، وقد لا يكون السبب شيئا واحد بل عدة أشياء مجتمعة. فبدون معرفة السبب لا يمكن التخلص من ضغط الحياة وتعقيداتها. بعد كتابة الأشياء التي تسبب لك الضيق، تعرّف على الأشياء التي تستطيع أن تتخلص منها. هناك أشياء خارجة عن إرادتك ولا يمكن أن تتخلص منها ولكن تستطيع أن تغير طريقتك في التعامل معها.
ختاماً: من المهم أن ندرك أنه لا يمكن أن نغير عاداتنا بسهولة. ولكن إذا كنت تريد التخلص من تعقيدات الحياة، فكن قوي الإرادة كي تغير ذاتك، وكن أكثر تواضعاً وأقل تكلفاً كي تعيش حياة هانئة. علينا أن نتخذ من حياة النبي صلى الله عليه وسلم منهجاً في الحياة الحقيقية الناجحة، فسيرته العطرة المباركة تمثل النموذج الأمثل والأكمل للحياة الإنسانية المتزنة والتي من جعلها نموذجاً يحتذي بها عاش حياة ممتعة وسعيدة. والله أعلم.
أعجبك الموضوع...لا تقل شكرا...ولكن قل ...اللهم أغفر له و أرحمه وتجاوز عن سيئاته وأجعله من المحسنين