صفات الله تعالى ليست من المتشابه ولا من المجاز
المحكم هو ما عرف المراد منه والمتشابه هو ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة وخروج الدجال والحروف المقطعة في أوائل سور القرآن .[1] وأما المجاز فهو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له بخلاف الحقيقة التي هي اللفظ المستعمل في ما وضع له .[2]
والقول بأن صفات الله عز وجل من المتشابه أو من المجاز مما لا يليق بالله تعالى فإن المتشابه ما لا يعرف معناه ، والمجاز ما وضع في غير موضعه فكيف يقال هذا في صفات ذي الجلال والإكرام؟!.
ثم إنهم إن قالوا إن صفات الله تعالى من المتشابهات قلنا لهم : أي الصفات تقصدون ؟ أتقولون إن جميع صفاته تعالى لا يعرف لها معنى فهي كحروف الهجاء التي لا يستفاد منها أي معنى ؟ ألا تفهمون شيئا من صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه في سورة "الإخلاص" وأول سورة "الحديد" وآخر "الحشر" وفي "آية الكرسي" وفي مئات الآيات التي جاءت بوصف الباري بصفاته العلية ؟ فإذن لا تعرفون معنى سمعه وبصره وكلامه وعلمه وحياته وقدرته وإرادته؟ أم إنكم تختارون من صفاته تعالى ما تجعلونه محكما وما تجعلونه متشابها ؟! فأي سلف لكم في هذا التفريق إن كنتم صادقين ؟ ولقد رد ذلك عدد من المحققين منهم العلامة ابن رشد الذي قال في "الكشف عن مناهج الأدلة" بعد أن ذكر بعض آيات الصفات :
... إلى غير ذلك من الآيات التي إن سُلّط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤوّلا ، وإن قيل فيها إنها من المتشابهات عاد الشرع كله متشابها ، لأن الشرائع كلها متفقة على أن الله في السماء ، وأن منه تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين .[3]
ومنهم حافظ المغرب أبو عمر ابن عبد البر القرطبي رحمه الله، قال:
أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها ، وحملها على الحقيقة لا على المجاز ، إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ، ولا يحدون فيه صفة محصورة . وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة .[4]
وقال أيضا :
.. ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات . وجل الله عز وجل أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين. والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه .[5]
--------------------------
[1] الإتقان في علوم القرآن للإمام جلال الدين السيوطي ، تحقيق عبد المنعم إبراهيم ، مكتبة نزار مصطفى الباز ، الريض ، المملكة العربية السعودية ، ط. الثانية ، 1424هـ/2003م ، 3/675.
[2] وهذا الاصطلاح الذي هو تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز إنما حدث بعد القرن الثالث الهجري ، وكان منشؤه من جهة المعتزلة والجهمية . راجع مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 6/351-374 ومختصر الصواعق المرسلة لابن القيم 1/85-86 وكتاب "منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والاعجاز" للشنقيطي والمجلد العاشر من أضواء البيان له أيضا ، وشرح مقدمة ابن زيد القيرواني في العقيدة للشيخ الأمين الحاج محمد ص 159 وما بعدها .
[3] الكشف عن مناهج الأدلة ، ص60 وانظر : الصفات الإلهية بين السلف والخلف ص 127 ، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/294-313.
[4] المصدر السابق 7/145 .
[5] التمهيد لابن عبد البر 7/131